-->

البحث العلمي

بحث حول البحث العلمي...مادة المنهجية
المقدمة

يعد البحث العلمي أحد المقومات الأساسية للحضارة والتقدم، فهو تلك الوسيلة التي يستخدمها الإنسان لأعمال العقل والحواس وجميع الملكات من أجل فهم حقيقة الظواهر الطبيعية والاجتماعية التي تحدث من حوله من أجل تسخيرها لخدمته.

فالبحث يعني التفتيش والتنقيب عن مسألة معينة للوصول إلى حقيقتها. وإذا كان البحث في اللغة يعني البحث عن الشيء أي التفتيش عنه، فإنه في الاصطلاح يدور حول ذات الموضوع أي بذل الجهد في التحري والتفتيش والتتبع والدراسة لموضوع معين حتى يتبين حقيقته.

ولقد كان البحث والتفكير العلمي هو من ساهم في إخراج البشرية من الظلمات إلى النور وفي أبعادها عن شبح الخرافة التي يسيطر عليها. والذي كان يجعل الإنسان يقف عاجزاً أمام تفسير الظواهر الطبيعية التي تحيط به الأمر الذي جعله يعزي هذه الظواهر إلى قوى خارقة خفية. ولكن عندما بدأ الإنسان يعمل عقله لتفسير الظواهر الكونية المحيطة به والاستفادة منها، حتى جاء العصر الحديث الذي اعتمد فيه الإنسان في تفكيره على الأسلوب العلمي وبذلك استطاع أن يقف على حقيقة الظواهر والأحداث التي تقع من حوله. وإذا كان البحث العلمي في مختلف العلوم يحتل أهمية بالغة.

فإن البحث العلمي في مجال القانون يحتل ذات الأهمية حيث أن تحقيق العدالة التي ينشدها القانون لا يمكن تحقيقه إلا بالوصول إلى الحقيقة التي هي جوهر العدالة. ولا سبيل للوصول إلى الحقيقة إلا عن طريق البحث العلمي الذي عن طريقه يمكن الكشف عن حقيقة الأسباب الكامنة وراء المشكلات القانونية فيسهل حينئذ التوصل إلى الحل القانوني المناسب لها. كما يمكن عن طريق البحث العلمي إعداد الدراسات العلمية لبحث المشكلات القانونية الموجودة من قبل أو التي تظهر حديثاً في المجتمع وإيجاد أفضل الحلول القانونية لها. وسعياً منا إلى بذر ملكة البحث العلمي القانوني في نفوس طلبة كلية الحقوق وإعدادهم بما يؤهلهم لإيجاد الحلول للمشكلات القانونية التي تواجههم أثناء الدراسة أو في حياتهم العملية حرصنا على إعداد هذا الموقع الإلكتروني.

المبحث الأول 
تعريف البحث العلمي

يتحدد تعريف البحث العلمي من خلال الربط بين معنى كلمة (البحث) ومعنى كلمة (العلم). ولذلك يذهب البعض إلى تعريف البحث العلمي على أنه:

"إعمال الفكر وبذل الجهد الذهني المنظم حول مجموعة من المسائل أو القضايا، بالتفتيش والتقصي عن المبادئ أو العلاقات التي تربط بينها، وصولاً إلى الحقيقة التي ينبني عليها أفضل الحلول لها".

ويعرف على أنه:

"التقصي المنظم، وبإتباع أساليب ومناهج علمية محددة للحقائق العلمية، بقصد التأكد من صحتها أو تعديلها أو إضافة الجديد لها".

ولابد في هذا المجال من بيان الفرق بين العلم والمعرفة. فإذا كان العلم يهدف إلى الوصول إلى المعرفة، إلا أن ثمة فارقاً بينهما. فالمعرفة أكثر سعة وشمولاً من العلم، ذلك أنها تتضمن معارف علمية وأخرى غير علمية.

أما العلم فلا يشمل سوى المعارف العلمية التي تم الحصول عليها بالأسلوب العلمي. فالعلم هو طريقة منظمة للحصول على المعرفة، تتبع فيها قواعد المنهج العلمي وخطواته.

أما المعرفة فيتم الحصول عليها بشكل تلقائي، أو بالصدفة البحتة، ودون إتباع أي أسلوب أو منهج علمي.

المبحث الثاني 
أنواع البحث العلمي

يقسم البحث العلمي تبعاً لطبيعة العلم التي يجري عليها، فهنالك أبحاث تتعلق بالعلوم الطبيعية وأخرى تتعلق بالعلوم الإنسانية.

المطلب الأول 
بحوث العلوم التطبيقية

تعد هذه البحوث علمية وتطبيقية في آن معاً أي أن أهميتها الأساسية تنبع من صلاحيتها للتطبيق وهو ما يعود على المجتمع بالنفع الكبير. فهذه البحوث هي التي تؤدي إلى تطوير الصناعات المختلفة في الدول وتعتمد هذه البحوث على المنهج التجريبي والذي يقوم على الملاحظة وفرض الفروض والتحقق من صحتها، ثم تطبيق نتائجها على المجالات المختلفة ومن أهم المجالات هذه الأبحاث الكيمياء والفيزياء والهندسة والطب والزراعة وغيرها.

المطلب الثاني 
بحوث العلوم الإنسانية

وتعد هذه البحوث بحوثاً نظرية وليست عملية، إلا أن ذلك لا يقلل من أهميتها أو قابليتها للتطبيق وتعمل هذه في مجال الفلسفة والمنطق وعلم الاجتماع والتاريخ والأدب واللغة والقانون.

وتهدف هذه البحوث إلى تعميق المعرفة وتبسيطها للإنسان حتى يستطيع الاستفادة منها في جوانب الحياة المختلفة. ويحتل كلا النوعين من هذه البحوث أهمية كبيرة في حياة الشعوب والدول حيث أن التقدم في أحدها دون الآخر لا يؤدي إلى تحقيق النتائج المرجوة في نهضة المجتمع.

المبحث الثالث
مناهج البحث العلمي

المنهج في مجال البحث العلمي هو مجموعة الخطوات التي يجب إتباعها للوصول إلى هدف محدد، أو لاكتشاف الحقيقة. عليه فإن على الباحث أن يسلك منهجاً معيناً في بحثه يسير على هداه ويلزم نفسه به طيلة هذا البحث، حيث أن ذلك يساعده على إنجاز البحث بشكل منظم.

وكلما كان منهج البحث واضحاً ومحدداً كلما كان البحث دقيقاً ونتائجه أقرب للصواب. وبالنظر لأهمية المنهج العلمي في البحث فقد ظهر في هذا الشأن علم متخصص هو "علم المناهج" الذي يمكن الباحث من سلوك السبل التي توصله إلى الحقيقة.

هذا ولابد من الإشارة إلى أن مناهج البحث العلمي تختلف باختلاف العلوم، حيث هناك مناهج تصلح للعلوم الطبيعية، وأخرى تصلح للعلوم الإنسانية.

وبما إننا نبحث في أصول البحث القانوني لذلك سوف نركز على مناهج البحث المتبعة في مجال القانون حيث يمكن للباحث في مجال القانون أن يتبع احد هذه المناهج أو بعضها أو حتى جميعها لإنجاز البحث. واهم هذه المناهج هي:

أولاً: المنهج الموضوعي

ويعد من أهم المناهج البحثية المتبعة من قبل الباحثين، باعتبار أن أتباعه يؤدي بنا للوصول إلى نتائج حقيقية غير مضللة.

ويقصد بالمنهج الموضوعي أن يكون الباحث موضوعياً في بحثه غير متحيز، يتناول مشكلة البحث في حياد تام، ويكون هدفه الأساسي هو الوصول إلى الحقيقة، وإعلانها على الملأ كما هي دون تحريف، حتى وان كانت هذه الحقيقة غير متفقة مع أفكاره وميوله الشخصية.

فأتباع المنهج الموضوعي في البحث يجعل الباحث محايداً ومنزها عن الهوى الذاتي، فيتجرد من أفكاره ومعتقداته الشخصية، ويبتعد عن أي مؤثر خارجي، ويعتمد في بحثه على الأساليب العلمية البحتة التي تقوده إلى الحقيقة المؤيدة بالحجج والأسانيد الواقعية، إما إذا تأثر الباحث بأفكاره ومعتقداته الشخصية فسوف يصل إلى نتائج مضللة وغير دقيقة.

ثانياً: المنهج التأصيلي (الاستقرائي)

ويسمى هذا المنهج بالمنهج التجريبي ويعنى هذا الأسلوب باستقراء الأجزاء ليستدل منها على حقائق تعمم على الكل باعتبار أن ما يسري على الجزء يسرى على الكل (فجوهر المنهج الاستقرائي هو الانتقال من الجزئيات إلى الكليات أو من الخاص إلى العام) فمثلاً يقوم الباحث بدراسة المسائل القانونية الجزئية أو الفرعية المتشابهة دراسة معمقة وذلك بغرض الكشف عن القاسم المشترك بينها، ومن خلال الربط بين العلة والمعلول، أو بين السبب والمسبب، ثم يخلص من ذلك إلى وضع قاعدة عامة أو نظرية عامة تحكم هذه المسائل ولعل أهم مجالات هذا المنهج البحث تتمثل في استقراء اتجاهات أحكام القضاء في موضوع معين لبيان القاعدة العامة التي تحكم الموضوع. مثال ذلك استقرار أحكام القضاء الإداري المتعلقة بالرقابة على أعمال الإدارة، أو أحكام القضاء المتعلقة بفكرة الرقابة على دستورية القوانين.

ثالثاً: المنهج الاستنباطي (التحليلي)

وهذا المنهج هو على عكس المنهج التأصيلي (الاستقرائي) الذي بيناه سابقاً حيث أن المنهج الاستنباطي يبدأ من الحقائق الكلية لينتهي إلى الحقائق الجزئية، أي من العام إلى الخاص. فالباحث عندما يسلك هذا المنهج البحثي ينطلق من قاعدة عامة ليقوم بتطبيقها على الحالات الخاصة أو الفردية. مثال ذلك أن يستند الباحث في مجال القانون الجنائي إلى قواعده العامة ليرى مدى إمكانية تطبيقها على الظواهر الإجرامية الحديثة مثل الإرهاب، وخطف الطائرات، وغسيل الأموال، وجرائم الاعتداء على برامج الكمبيوتر.

ولابد من الإشارة إلى عدم إمكانية القول بانعدام الصلة بين المنهج التاصيلي والمنهج التحليلي، ذلك أن كلاً منهما يكمل الآخر، فإذا كان المنهج التاصيلي هو الطريق نحو تكوين القواعد العامة، فان المنهج التحليلي هو الطريق نحو تطبيق هذه القواعد على الحالات الفردية لاختبار مدى فعاليتها وصلاحيتها لذلك فان الباحث في مجال القانون يستعين بكلا المنهجين عادة لأعداد بحثه.

رابعاً: المنهج المقارن

هو المنهج الذي يعتمده الباحث للقيام بالمقارنة بين قانونه الوطني وقانون أو عدة قوانين أجنبية أو أي نظام قانوني آخر، كالشريعة الإسلامية، وذلك لبيان أوجه الاختلاف أو الاتفاق بينهما فيما يتعلق بالمسألة القانونية محل البحث، بهدف التوصل إلى أفضل حل لهذه المسألة.

ويحتل منهج البحث المقارن أهمية خاصة في مجال الدراسات القانونية، حيث انه يمكن الباحث من الإطلاع على تجارب النظم القانونية الأخرى، ومقارنتها بالنظم الوطنية، مما يمكنه من الكشف عن أوجه الاتفاق أو الاختلاف أو القصور بين هذه النظم، ومن ثم يستطيع الباحث أن يضع أمام المشرع أفضل الحلول ليستعين بها إذا ما أراد أن يعدل القوانين القائمة أو يضع قوانين جديدة.

وقد يعتمد الباحث منهج المقارنة الأفقية الذي يقوم على بحث المسألة في كل قانون على حدة، بحيث لا يعرض لموقف القانون الآخر حتى ينتهي من بحث المسألة في القانون الأول. إما إذا اعتمد الباحث منهج المقارنة الرأسية، فانه يتناول كل جزئية من جزئيات البحث في كل القوانين التي يقارن بينها في آن واحد. ويمكن القول أن منهج المقارنة الراسي أفضل من الأفقي لأنه يبعدنا عن التكرار وتقطيع أوصال البحث. إضافة إلى انه يؤدي إلى حسن وسهولة إدراك أوجه الاختلاف أو الاتفاق بين القوانين التي تتم المقارنة بينها.

خامساً: المنهج التاريخي

يعتمد هذا المنهج البحثي على دراسة المسألة محل البحث في القوانين القديمة من اجل فهم حقيقتها في القانون المعاصر. فاعتماد هذا المنهج يساعد الباحث على فهم الحاضر من خلال دراسة وملاحظة الماضي. فعندما يتناول الباحث القانوني موضوع الوكالة مثلاً كأحد أنواع العقود، يبدأ بحثه بدراسة التطور التاريخي لفكرة الوكالة في النظم القانونية القديمة لكي يتوصل إلى التطور الذي رافق هذا الموضوع إلى أن وصل إلى التنظيم القانوني الحالي له. بل أن القضاء قد يلجأ إلى المنهج التاريخي للوقوف على حقيقة النص القانوني الواجب التطبيق على النزاع.

المبحث الرابع 
متطلبات البحث العلمي

لإمكانية إجراء البحث العلمي في مجال القانون لابد من توافر ثلاثة أمور هي:

المشكلة القانونية التي تحتاج الى البحث
الشخص الذي يتولى بحث هذه المشكلة
خطة البحث
أولاً: مشكلة البحث

حيث أن البحث العلمي يهدف أساسا إلى التوصل إلى الحقيقة بشأن مشكلة قانونية معينة من أجل إيجاد الحلول لهذه المشكلة، فان البحث العلمي لا يوجد إلا حيث توجد المشكلة. فوجود المشكلة القانونية هو أول فرضيات وجود البحث العلمي.

ولابد للباحث من إدراك وجود المشكلة وجمع المعلومات حولها وتحديد فروضها البحثية ثم الإجابة عن هذه الفروض.

كذلك لابد له من صياغة المشكلة البحثية وبالتالي تحديد موضوع البحث بحيث لا يجوز له أن يبالغ في سعة البحث أو تضييقه.

ويذهب البعض إلى ضرورة أن يسأل الباحث نفسه مجموعة من الأسئلة منها:

هل يستحق هذا الموضوع ما يبذل فيه من جهد
هل من الممكن كتابه رسالة أو بحث عن هذا الموضوع
في طاقتي أنا أن أقوم بهذا العمل
هل أحب هذا الموضوع وأميل إليه
معايير اختيار موضوع البحث

هنالك مجموعة معايير يجب أن يراعيها الباحث وهو يختار موضوع البحث ومنها:

1. صلاحية الموضوع للبحث:

أي مدى قدرة البحث في الموضوع على تحقيق فائدة علمية وعملية للمجتمع. وذلك بان يتناول مشكلة حقيقية تشغل الرأي العام أو طائفة معينة من أفراد المجتمع، وتقدم الحلول المناسبة لها.

2. حداثة الموضوع:

يجب أن يكون موضوع البحث جديداً، إما إذا كان الموضوع قديماً وقد تم بحثه باستفاضة من قبل كما يقال قتل بحثاً فلا يكون هنالك جدوى من البحث فيه.

3. تحديد موضوع البحث:

حيث يجب على الباحث أن يحدد موضوع البحث تحديداً دقيقاً لان ذلك سوف يعينه على إنجازه، كما أن ذلك سوف يرشده إلى المراجع التي تتصل بموضوع بحثه اتصالاً وثيقاً.

فليس من المقبول أن يختار الباحث موضوعاً كأسباب الإباحة في القانون الجنائي مثلاً. لان هذه الأسباب عديدة وكل سبب يصلح بذاته لان يكون موضوعاً لبحث مستقل، كما لا يجوز له أن يختار أركان القرار الإداري لان هذه الأركان متعددة وكل منها يصلح بذاته لموضوع بحث مستقل.

وفي المقابل فإذا كان موضوع البحث ضيفاً للغاية فان ذلك سيقيد انطلاق تفكير الباحث، وذلك بسبب ندرة المراجع الخاصة بهذا الموضوع مما يصيب الباحث بالملل والإحباط ويفقده الثقة بنفسه.

4. إمكانية بحث الموضوع:

يجب أن يتأكد الباحث أن لديه الإمكانية لبحث الموضوع الذي يختاره من حيث وجود المراجع المتخصصة والتي قد لا تكون موجودة في دولته مما يتطلب معه السفر إلى دولة أخرى. وقد تكون هذه المراجع بلغة أجنبية لا يعرفها الباحث.

ثانياً: الباحث

هو الشخص الذي يقوم بالبحث، فيختار المشكلة التي تصلح موضوعاً للبحث ويحدد نطاقها وأفضل المناهج لبحثها ويضع الخطة العلمية المناسبة لهذا البحث.

ويسمى الباحث في لغة القانون (المؤلف) وينشأ له حق على مؤلفة يسمى (حق المؤلف) تحميه قوانين حماية حقوق الملكية الفكرية.

عن الكاتب :

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *